العراق يصرخ: لا أستطيع التنفس

مسلم عباس

2020-06-07 08:06

كنا نشاهد منذ اعوام مضت وحتى قبل عدة ايام كيف تتحول الحوادث الصغيرة في المناطق العشائرية العراقية الى ازمات كبيرة يذهب ضحيتها عدد من القتلى والجرحى وتهجر عوائل بكاملها، بينما يكون السبب بسيط جدا ولا يرقى حتى الى المشاجرة بين طرفين، لكن غياب الحكمة وتغليب الانفعال يولد المشكلات من اللحظة التي ينتصر فيها الانفعال على العقل، فبينما يفكر العقل بالحلول الافضل للمستقبل يفكر الانفعال بالثأر والتخلص من الاخر بأي طريقة كانت.

انه الصراع بين البربرية والتحضر، وهو نفسه الذي نشاهده في الصراعات العشائرية العراقية شاهدنها على شاشات التلفاز والهواتف الذكية في الولايات المتحدة الاميركية، اذ جثم شرطي على رقبة مواطن اسود اسمه جورج فلويد ومنعه من التنفس وفلويد يصرخ: "لا استطيع التنفس"لكن الشرطي لا يأبه لصراخه حتى قتله، فالمسبب لكل هذا الاجرام؟

السبب هو بلاغ خاطئ من صاحب متجر ادعى ان فلويد ضلله بورقة نقدية فئة 20 دولارا.

بعد الجريمة المروعة خرج الشعب غاضبا من فعل الشرطة تجاه فلويد المواطن الاعزل الذي فقط وظيفته قبل اسابيع بسبب انتشار وباء كورونا، وحدثت عمليات حرق ونهب وقتل ومواجهات بين الشرطة والمواطنين في تلك التظاهرات، والشعب كله يهتف "لا للعنصرية، لا استطيع التنفس" على غرار ما كان يصرخ فلويد وهو ملقى تحت الشرطي.

مشكلة صغيرة

لو اعيد التتابع الزمني لجريمة القتل هذه والجرائم العديدة التي تحدث في اميركا او في العراق او اي مكان اخر، نجدها حوادث لا تستحق ان نتوقف عندها، لكن تغليب لغة الانفعال على لغة العقل يحول المشكلات الصغيرة الى كارثة خاصة اذا لم تحل بسرعة وبعيدا عن الانفعال، فالفلاح الذي يستخدم السلاح من اجل (دجاجة الجيران التي تعبر الى مزرعته) لا يختلف عن الشرطي الذي قتل جورج فلويد، كلاهما يستخدمان السلوك غير القانوني لتحقيق العدالة، رغم ان الشرطي الاميركي يفترض ان يكون اكثر عقلانية من الفلاح لانه مدرب لهكذا مواقف.

واذا كانت اخطاء صغيرة تؤدي الى اعمال عنف وشغب، فما بالك بتدمير دولة كاملة وتسريح جيشها وشرطتها وفتح ابواب المصارف وتسليمها للقدر، هذا ما فعلته الولايات المتحدة الأميركية عند احتلالها للعراق ومع ذلك كانت تريد للعراقي ان يسلك سلوكا حضاريا؟

قد تحل اميركا مشكلتها بعد مقتل المواطن فلويد، لكن مشكلتها التي احدثتها ضد بلدنا العراق يصعب حلها بعد تركها وتراكمها لسنوات فمشكلة العراق (ليست دجاجة الجيران التي عبرت الى مزرعة الفلاح) وليست ورقة نقدية من فئة 20 دولار، مشكلة بلدنا انهم ضغطوا على رقابنا منذ عام ١٩٩١ بحصارهم الاقتصادي ثم احتلالنا عام ٢٠٠٣ حتى بات البلد لا يملك مؤسسات قوية لتحقيق العدالة، ولا دولة قادرة على مواجهة المد الخارجي من اميركي وحلفائه او خصوم اميركا الذين يريدون من العراق ان يبقى ساحة لحروبهم، انهم يضغطون على شعب العراق ويمنعونه من التنفس، يريدون قتلنا كما قتلوا فلويد والاصعب هو ان من يقتلنا ليس الشرطي الاميركي فقط، بل وحتى خصوصا مع يشاركونه نفس الجريمة.

نحن شعب لا يستطيع التنفس من شدة الضغط الذي تمارسه القوى الخارجية ضده، نحن شعب يريد ان يتنفس هواء السيادة ومن ثم هواء الحرية.

ذات صلة

الدور الإصلاحي للمرأة في عالم اليومالتيار الصدري ودلالات تغيير العنوان السياسيالفوضى والنظام والإرادة الجماهيريةنهج الرؤى السلوكية وطريقة تفكير الحكوماتنقد الهويَّة النقيَّة وتأصيل التعدديَّة