حكاية الأمس واليوم

د. جليل وادي

2019-08-14 06:55

لا أظن سياسيا من الذين قذف بهم القدر للتحكم بمصير هذا الشعب المغلوب على أمره لا يعرف الطرق التي من شأنها اصلاح الحال والتقدم بالبلاد الى حيث يطمح العراقيون، وأظن ان الذين وقفوا حجرة عثرة في بلوغ العراق ما بلغته بلدان الدنيا سيلقون من المصائر ما ذاقه من سبقوهم، فقد قالوا قديما (طمعهم قتلهم) فمنذ ابحار سفينة العملية السياسية والكل يريد الاستحواذ على السلطة وحرمان الشركاء منها، حتى وان كان الشركاء من أقرب الاخوان. ولأنهم كذلك انعدمت الثقة، وما عاد أحدهم يأمن للآخر، بل ويتوقع منه استلال خنجره ليطعنه من الظهر، وخلص الجميع الى ان القوة هي من يحسم الأمر وليس الحوار، فمن اعتلى صهوة السلطة فائزا كان بالديمقراطية الهشة او حاصلا على بعض من الكعكة بالتوافق، تحاصصوا الوزارات ومؤسساتها وصارت تسمى بأسمائهم وتعود ميزانياتها لخزائن أحزابهم وتياراتهم، ولم يبق للعراقيين من تلك الأموال التي بلغت مئات المليارات الا فتات سرعان ما تبدد بسوء الادارة، ومن يمتلك المال يمتلك القوة والنفوذ.

اما اولئك الذين لم تصل أياديهم الى تلك الأموال فسلموا لحاهم للكبار خارج الحدود، مستعينين بهم لازاحة رفقاء الدرب القديم والانتقام ممن حرمهم منها، فاشتعلت النيران وغطى دخانها أرجاء البلاد وشاعت الكراهية وتصدع البنيان المرصوص، وصار الكل يحارب باسم الله، وكأن الله تعالى بحاجة لأصحاب اللحى الكثة والمنافقين والمرائين الذين لا يحللون او يحرمون بدلالة استفحال الفساد وخواء الخزائن والمراوحة في المكان، بينما الامم من حولنا تسابق الريح لبلوغ الحياة الرغيدة والسعادة الدائمة.

لم يكن هذا ديدن المتأخرين من الساسة، بل الذين سبقوهم انتهجوا السبيل ذاته، فطاردوا من ظنوا انه يختلف معهم في الرؤية، وهجّروا الفقراء بذرائع شتى واقساها تلك التي نسبتهم الى أقوام أخرى غير عراقيتهم، وعلى طريق واحدة أرادوا أن تسير الجموع، فمن انحرف عنها قصدا او سهوا مصيره الالغاء من الوجود، ففرت الناس مذعورة، ومحظوظ من عثر على مكان آمن يأويه، او بلاد تحتضنه من دون توظيفه في دهاليز مخابراتها، وليس أمام من تبقى سوى الخنوع، والقبول قسرا بما يريده الدكتاتور.

لا اريد نكأ جراح الماضي، ففي استذكارها نفخ في روح الانتقام، بينما نتطلع للتصالح مع الذات التي مضى علينا عقود طويلة ونحن في خصام معها، وستعاد الكرة ثانية مستقبلا اذا لم نتسم بالحكمة ونقبل بالمصافحة الصادقة، فهي الطريق الوحيدة وليس من طرق غيرها لاشاعة المحبة ونبذ الرصاص.

الذين استلموا مفاتيح البلاد بعد الاحتلال يعرفون طريق الاصلاح وأزقته جيدا، ويكذب من يدعي غير ذلك، وان ابتلينا مؤخرا بمن جاءوا للاستثمار بالسياسة، فالمجال هش الى درجة اتاح لمن لا يستطيع فك الخط أن يتبوأ مفترقا حاسما من مفترقات الدولة، وصار لدينا فائض كبير منهم، فأزاحوا العارفين بالادارة والاقتصاد واعتلوا كراسيهم، لذا توقعوا المزيد من الخراب اذا لم نتدارك الحال.

الجميع يدرك ان المحاصصة سرطان العملية السياسية، وثمة آليات ليست بالمعقدة لاستئصالها، وأول تلك الآليات، وتحدثنا عنها مرارا، وهي الاقرار بأن الكتلة الأكبر المسؤولة عن تشكيل الحكومة هي الكتلة التي تفوز في الانتخابات وليست التي تتشكل بعدها وهو ما اعترض عليه السيد المالكي عندما فاز علاوي، وبلا تفكير عميق وتحت الضغوط ذهبت المحكمة الاتحادية الى ان الكتلة الأكبر هي التي تتشكل لاحقا، فصار لزاما اعتماد المرشح لرئاسة الوزراء المحاصصة والتوافق أساسا لتشكيل الحكومة، وبعد فوات الأوان أدرك السيد المالكي أن لا حل الا بالأغلبية السياسية بعد تجربة مريرة في السلطة، ولم يقدر لهذا الحل ان يجد طريقه للتنفيذ، فموج الأطماع بالسلطة كان عاتيا، واللاعبون من خارج الحدود لا يروق لهم أن نبصر ضوءا في نهاية النفق كما يقول الساسة ، يراد لهذه (الوشيعة) أن يظل رأسها ضائعا.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

ذات صلة

الإمام علي عليه السلام وتحجيم الجبروت والطغيانعلى حكومة السيد السوداني ان تكون أكثر حذراالمطلوب فهم القرآن بشكل جديد!مَعرَكَةُ بَدر هِيَ يَومُ الفُرقَانِ العَظِيمِ حَقَاًتعلم ثقافة السؤال بداية التعليم