هجوم خليج عمان: قذائف الحوار ام شرارة الحرب؟

مسلم عباس

2019-06-16 06:51

الهجوم على ناقلتين للنفط في خليج عمان تقف وراءه ايران، بحسب التقدير الاولي للولايات المتحدة الامريكية وحلفائها الخليجيين، بثت القوات الامريكية مقطع فيديو لزورق إيراني يقوم بانتزاع لغم غير منفجر من احدى الناقلتين، والرئيس الأمريكي وادارته أعطت إجابة قطعية وسريعة، اما الامارات فقالت ان الهجوم لا يمكن ان تقوم به عصابة او جماعة مسلحة، انما يحمل بصمات دولة، في إشارة واضحة لاتهام طهران.

في ايران جاء رد الاتهام بالاتهام المضاد، وزير الخارجية محمد جواد ظريف، اتهم الفريق "ب" بالوقوف وراء الهجوم، وهو ماضٍ في تخريب الدبلوماسية، لا سيما جهود رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، الذي زار طهران مؤخرا في مسعى لتخفيف التوتر. ويقصد ظريف بالفريق "ب" كل من جون بولتون مستشار الامن القومي الأمريكي، وبنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، ومحمد بن سلمان ولي العهد السعودي، ومحمد بن زايد ولي العهد الاماراتي، وحجة ظريف لاتهام حلفاء الباء الأربعة، لكونهم اكثر المسؤولين تحمساً لشن الحرب على ايران، وهذه ليست المرة الأولى التي يقول ظريف بان هؤلاء هم قادة الحرب الفعليين ضد ايران، وبما انهم يريدون إيجاد دليل، فيمكنهم شن هجمات تخريبية واتهام ايران.

لحد الان لا توجد معلومات قطعية (سوى الفيديو الأمريكي) حول حقيقة الهجومين المجهولين اللذين استهدفا ناقلتي نفط تحملان علمي جزر مارشال وباناما على التوالي، فالفيديو الذي نشرته القوات الامريكية ترفضه المانيا ولا تراه كافيا لإثبات أن إيران تقف وراء الهجوم على ناقلتي النفط في خليج عُمان.

المعلومات شحيحة ولا يمكن ان تصل كاملة حتى وان انتظرنا لايام، لكن استحضار سلوك طرفي الصراع يمكن ان يقود الى فهم اكثر توازنا لما حدث، ويتضح ذلك من خلال الاتي:

أولاً: في ايران تحدث مسؤولون بما فيهم الرئيس حسن روحاني ووزير خارجية محمد جواد ظريف وقادة الحرس الثوري عن اغلاق مضيق هرمز في حال تصفير صادرات طهران النفطية. قال روحاني في احد تصريحاته منتصف عام 2018 بأن "عدم السماح لإيران بتصدير نفطها يعني بأن نفط كل المنطقة لن يصدر"، في حينها دعم قائد الحرس الثوري قاسم سليماني موقف رئيس البلاد، ووصف موقفه بـ"السليم" وقال: "إنني أقبل يديكم لتصريحاتكم الحكيمة والصائبة هذه التي جاءت في وقتها المناسب، ونعلن الاستعداد لتقديم أي خدمة لمصلحة الجمهورية الإسلامية".

ثانياً: بما ان العقوبات وصلت الى مرحلة الحياة او الموت، يقتضي الواجب الإيراني استخدام أوراق اللعب الأخيرة، فالنفط اليوم يقترب من الصفر وربما وصل فعلا، الصين مع ثمانِ بلدان حاصلة على الإعفاءات توقفت عن استيراد النفط من إيران خلال شهر مايو أيار الماضي، بعد تعليق الولايات المتحدة الإعفاءات، واكد هذه المعلومات رحيم زاري عضو اللجنة الاقتصادية في البرلمان الإيراني.

ثالثاً: ايران ضمنت فعليا عدم رغبة الولايات المتحدة الامريكية، والوساطة التي قام بها رئيس الوزراء الياباني تؤكد بما لا يدع أي فرصة للشك بان واشنطن لا تستعد للحرب، وهدفها الرئيس جلوس الإيرانيين على طاولة المفاوضات، ومن هنا يمكن لطهران ان تناور قليلا، وتسجل موقفا يجعل المفاوضين الأمريكيين يحسبون كثيرا لاحداث بحر عمان، وقبلها احداث ميناء الفجيرة.

رابعاً: تزامن الهجمات مع تصعيد غير مسبوق من قبل الحوثيين ضد السعودية، تمثل بقصف مطار ابها بصاروخ كروز، وضرب قاعدة الملك خالد الجوية في خميس مشيط جنوب غربي السعودية.

خامساً: ايران تمارس لعبة "حافة الهاوية" مع الولايات المتحدة الامريكية، وهي تنسحب اذا اشتد الضغط عليها لتمنع الأمور من الانزلاق الى الحرب، او تقوم ببعض العمليات لتاكيد وجودها كقوة فاعلة في المنطقة، وهذا ما يفهم من الهجمات على ناقلات النفط.

ربما يستذكر البعض الشواهد المزيفة التي عرضها ادرة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، حول مزاعم وجود أسلحة محرمة لدى نظام صدام، وقبلها مزاعم حرب تحرير الكويت، وخاصة قضية حاضنات الأطفال الخدج، والطيور النافقة في البحر، والتي تبين انها غير صحيحة وتفتقد للدقة، وما الهجمات الحالية الا استمرار للنهج الأمريكي من افتعال الحرب ضد ايران، لكن ما يحدث اليوم مختلف، والرئيس يعلن صراحة انه لا يرغب بالحرب، وقد ارسل اكثر من وساطة من ابرزها عبر سويسرا، والثانية عبر رئيس الوزراء الياباني، وأعطى إشارات واضحة لرغبته في التفاوض.

ايران تعاني من ضغط هو الأشد على الاطلاق ومن الطبيعي ان تقوم بعمليات لتنفيس هذا الضغط، سواء عبر وكلائها الحوثيين في اليمن، او عن طريق بعض الهجمات المنظمة على ناقلات النفط كنوع من "دبلوماسية الصواريخ"، لتعطي رسالة واضحة لخصومها، نحن هنا نملك السلاح اذا اردتم الحرب، كما نملك أوراق التفاوض اذا جلستم للحوار.

ذات صلة

منهج التدبُّر في القرآن.. ثانياً تخيُّر الكلمةالأسرة المتوازنة في مواجهة الانعزال الرقميالسياسيون والمثقفون: تآخٍ أمْ صراع؟اختناق بغداد: ما هو الحل؟عن ظاهرة الترامبية