صيف سياسي ساخن

د. عبير عبد الرحمن ثابت

2019-04-24 06:45

توقعات الأرصاد الجوية لمنطقة الشرق الأوسط تشير أن هذا الصيف سوف يكون الأقل سخونة؛ وبالمتابعة السياسية للمنطقة تؤكد أنه سوف يكون الصيف الأسخن سياسيا على الإطلاق؛ وربما بسخونة غير مسبوقة للمنطقة التي تشهد على ما يبدو آخر مراحل تنفيذ المخططات الدولية لتقاسم النفوذ فيها؛ وعادة تكون تلك المرحلة الأصعب كونها مرحلة عملية تستدعى التسخين العسكري لإذابة أخر تضاريس الجغرافيا السياسية القديمة؛ والتي استعصت على الازالة لتحل محلها تضاريس الجغرافيا السياسية الجديدة والعملية بمجملها تشبه في الطبيعة التغيرات التي تحدث في الجغرافيا الطبيعية لقشرة الأرض من الزلازل والبراكين قبل أن تهدأ ويظهر بعدها الوجه الجغرافي الجديد لها، وأهم أحداث صيفنا الساخن :-

1. زلزال صفقة القرن:

هذا الزلزال الذى أجلته الادارة الامريكية بعد شهر رمضان هو في الحقيقة آخر الزلازل التي يراد من خلالها كسر آخر تضاريس الجغرافيا السياسية القديمة؛ والتي لا زالت تستعصى على الازالة؛ وتتمثل بالقضية الفلسطينية باعتبارها أحد أهم العقبات في المشهد الجديد في الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط، ومن الواضح أن أهم معالمها إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي وتحويل تلك العلاقة إلى تعاون وصولا إلى حالة تحالف استراتيجي بين الطرفين يستمر لعقود أو ربما لقرن من الزمن.

 ومن هنا كان تعبير صفقة القرن ذو دلالات مستقبلية عميقة للغاية في رسم صورة الجغرافيا السياسية للمنطقة لقرن قادم كما تخطط لها القوى العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التي ترى في هذا التحالف العربي الإسرائيلي أحد أهم الضمانات الاستراتيجية الحيوية لبقاء وازدهار نفوذها في الشرق الاوسط ومنع القوى الامبراطورية الصاعدة كالصين أو تلك العائدة كروسيا الاتحادية من النفاذ إلى الشرق الأوسط وتهديد نفوذها في منطقة هي من أهم مناطق العالم حيوية لموقعها الجغرافي ولكونها القلب النابض لمصادر الطاقة على هذا الكوكب.

2. براكين متوقعة وأخرى مخطط لها:

وما ستقوم به الادارة الأمريكية مطلع هذا الصيف من إعلان عن صفقة القرن هو في الحقيقة زلزال صناعي حددت الإدارة الأمريكية بدقة قوته ومكانه وتوقيته بالتنسيق مع القوى الامبراطورية والاقليمية ذات الصلة، وهى تستعد لأي براكين محتملة أو حتى مخطط لها ستنتج من هذا الزلال الأمريكي كردة فعل من أولئك المتضررين منه أو من شكل الجغرافيا السياسية الجديدة؛ ويبدو عدد أولئك محدودا إلا أنهم قادرين على الفعل والتأثير المباشر وغير المباشر، وأهمهم الفلسطينيين فالرفض الفلسطيني المسبق للصفقة وإن كان لا يبدو ذو تأثير مباشر عليها كون الفلسطينيين اليوم في أضعف حالتهم السياسية إلا أن تأثير رفضهم لها وإصرارهم على الرفض سوف يؤدى لإحداث تأثير مباشر قوى؛ كون أن قضيتهم المستهدفة ذات أبعاد عميقة من العدالة تتخطى البعد الوطني والقومي والعقائدي إلى البعد الإنساني؛ وهو ما بمقدوره أن يمثل على المدى البعيد زعزعة حقيقية لأي ترتيبات في الجغرافيا السياسية للمنطقة يكون مضمونها تصفية قضيتهم وهو ما سيضيف هشاشة على المدى البعيد لتك الجغرافيا السياسية.

أما الأطراف القادرة على التأثير المباشر فتبدو إيران في رأس تلك القائمة؛ فهي المتضرر الرئيسي من الجغرافيا السياسية الجديدة وهي المستهدف الأساسي من التحالف العربي الإسرائيلي الأمريكي المرجو؛ وايران قوة اقليمية فاعلة وقادرة على التأثير عبر أذرعها السياسية والعقائدية والعسكرية الممتدة في المنطقة.

وعليه فإن أي براكين متوقعة أو حتى مخطط لها بعد زلزال صفقة القرن؛ فإن ايران أكثر تلك الأطراف القادرة أو المرشحة لتتصدر تلك البراكين عبر أحد الجبهات الساخنة المتعددة؛ والتي تتمترس فيها أذرع الجمهورية الاسلامية في منطقة الشرق الأوسط وصولا إلى حدودها الدولية التي تحاصرها فيها الإدارة الأمريكية سياسيا واقتصاديا بعد إعلانها الانسحاب من الاتفاق النووي مؤخرا؛ فإيران التي تدرك أن اذرعها الطويلة لا وجود لها في الجغرافيا السياسية الجديدة تدرك أن المعركة قادمة لا محالة؛ وإن لم تفجر هى البراكين فإن أعدائها هم من سيفجرها لقص أذرعها الممتدة وما من مفر من للمواجهة.

وإيران لديها ما تقوله وبصوت مسموع وقد تفاجئ الجميع في لحظة حاسمة إذا ما أدركت أنها في خطر، وهى التي تمتلك المعرفة النووية السلمية وتكنولوجيا تخصيب اليورانيوم قادرة على تحويل تلك المعرفة النووية السلمية إلى عسكرية؛ وقد يدفعها أي ضغط متزايد عليها أو أي براكين مفتعلة من إسرائيل ضدها في المنطقة؛ إلى انتهاج سياسة مشابهة لتلك التي انتهجتها كوريا الشمالية خلال العقدين الماضيين؛ وقد يصحو العالم على إعلان إيران نجاحها في إجراء أول تفجير نووي متسلسل متكامل خاصة؛ وأنها أصبحت عمليا متحررة من القيود التي فرضها عليها الاتفاق النووي بعد أن انسحبت منه الولايات المتحدة ولم تستطع أوروبا وروسيا تلافي تبعات العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على الاقتصاد الإيراني مما جعل الاتفاق الذى لا يزال قائما حبر على ورق. إننا أمام جغرافيا سياسية جديدة تتشكل وترسم معالمها بالقوة.

* أستاذ علوم سياسة

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

ذات صلة

الإعلام المعادي وتهاون المؤمنينإعادة بناء قبور البقيع.. إشاعة لروح التعايش بين المسلمينمعالم منهجية التوجيه الثقافي في فكر الإمام الشيرازيتداعيات الرد الإيراني على إسرائيلهدم البقيع جريمة لا تنسى