انفاق حزب الله: دروع من تراب لمعادلات الحرب الطويلة

مسلم عباس

2018-12-08 07:15

بينما تهاجم الطائرات الإسرائيلية الأراضي السورية حتى بعد تسلمها أنظمة "اس300" للدفاع الجوي، يعلن الجيش الإسرائيلي عن اكتشاف انفاق لحزب الله اخترقت حدود المناطق الشمالية لفلسطين المحتلة. هذا الإعلان يؤشر لمرحلة جديدة من التوازن العسكري بين الطرفين، حيث اصبح حزب الله قادرا على تنفيذ عمليات هجومية خارج الحدود اللبنانية.

النفق المكتشف حديثا امتد من القرية اللبنانية كفركلا، بالقرب من الحدود، وبلغ طوله نحو 200 مترا، وتم حفره على عمق 25 مترا وارتفاعه نحو مترين وعرضه مترين، مما يجعله كبيرا بما في الكفاية للسماح بمرور عناصر مدججة بالسلاح من خلاله. واحتوى النفق على نظام تهوية وكهرباء وخطوط اتصالات، وفقا للجيش الاسرائيلي.

اذن هي المخاوف ذاتها التي كان المستوطنون يبدونها للقيادة الإسرائيلية التي لم تكترث لحديثهم، فطالما قال المستوطنون انهم يسمعون ضجيج الحفر اسفل بيوتهم، ودفعت برودة الرد الرسمي المستوطنين الى التعاقد مع مقاولين محليين للقيام بعمليات الحفر والتنقيب، ما اضطر الجيش إلى القيام بعمليات البحث الأخيرة التي استؤنفت بعد العملية العسكرية في شبعا من دون نتائج واضحة. وفي هذا السياق قال رئيس لجنة سكان مستوطنة زرعيت، يوسي أدوني، إن لجنة سكان المستوطنة اتخذت قرارا بهذا الخصوص وإنها بدأت الخطوات اللوجستية الأولى لبدء عمليات البحث عن الأنفاق وكشفها.

وبحسب تقرير لصحيفة "الشرق الأوسط" السعودية فان المخاوف الحقيقية الإسرائيلية تنطلق من 3 معطيات أساسية، أولها أن الحزب كشف في أكثر من مناسبة عن وجود أنفاق لديه، يستعملها لمواجهة الإسرائيليين، بعضها يتسع لسيارات وآليات ثقيلة، وصولا إلى الصواريخ البعيدة المدى التي يعتقد أنه يمتلكها، والتي لا يمكن أن يحتفظ بها فوق الأرض.

المعطى الثاني، هو أن حزب الله هو من درب حركتي حماس و"الجهاد الإسلامي" على حفر الأنفاق، ويقال إنه ساهم بتهريب آلات حفر إليهما استخدمت في بناء الأنفاق التي استعملت للتهريب تحت الحدود المصرية، وكذلك في الحفر تحت المواقع الإسرائيلية لتنفيذ عمليات هجومية كما حدث في حرب الصيف الماضي في قطاع غزة. وقالت الإذاعة الإسرائيلية أخيرا إن الأنفاق المكتشفة في غزة باتت تثير مخاوف من إمكانية حفر حزب الله أنفاقا تصل إلى المستوطنات لا سيما في ضوء إمكاناته المادية والتقنية التي تفوق بأضعاف إمكانات المقاومة الفلسطينية.

أما المعطى الثالث، فهو تهديدات أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله الذي دعا في أكثر من مناسبة مقاتليه للاستعداد لاحتلال قرى الجليل، وهو ما لم يجد له السكان تفسيرا سوى أن الحزب قد حفر بالفعل أنفاقا تحت مستوطناتهم.

ويتفق الخبر الاسرائيلي دورون بيسكين مع المعطليات الأخيرة مبينا انه "ومنذ عام 2006 هناك كثير من التقارير العلنية في وسائل الإعلام العربية وغيرها، تتحدث عن وجود أنفاق في جنوب لبنان، وحزب الله لم يحاول إخفاء أنه يوسع شبكة أنفاقه، وما هو معروف أنه من جنوب الليطاني وحتى الحدود الإسرائيلية توجد شبكة أنفاق تابعة لحزب الله، ونحن نتحدث عن أنفاق إذا ما قارناها بأنفاق غزة، فإن الأخيرة تبدو كلعبة أطفال مقابل ما يوجد لدى حزب الله".

ورأى هذا الخبير الإسرائيلي في معرض حديثه عن تعقيد الأنفاق التي يحفرها حزب الله أن الأمر "ليس مجرد أنفاق لإطلاق الصواريخ بصورة أوتوماتيكية بتقنية إيرانية تصعب على سلاح الجو العمل ضدها، إنما نتحدث عن شبكة أنفاق يوجد فيها كل ما يلزم لمئات، وربما لآلاف المقاتلين للبقاء مدة طويلة تحت الأرض".

وأوضح الخبير كذلك أن مخابئ وأنفاق حزب الله ليست مخصصة فقط لـ"منصات الإطلاق وغرف الحرب، فهناك عيادات طبية وغرف طعام ومراحيض، أي كل ما يحتاجه مقاتلو الحزب مثل الإضاءة والاتصالات، ومن الصعب معرفة عمق هذه الأنفاق".

رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، غادي آيزنكوت، قلل من أهمية تلك الانفاق بالتوازي مع إطلاق عملية عسكرية تحت اسم "درع الشمال"، اذ نشرت تعزيزات كإجراء وقائي تحسبا لقيام حزب الله بشن ضربات انتقامية أو هجمات ردا على العملية. لكن استخفاف آيزنكوت بتلك الانفاق علنا الا ان جيشه قدم أكثر من إشارة إلى جدية هذا الاحتمال، كان أوضحها قيامه منذ نحو شهرين بإخلاء موقع عسكري عند الحدود مع لبنان لشكه بوجود نفق تحته قد يسمح للحزب بتفجيره من تحت الأرض أو الخروج منه لمهاجمة الجنود.

قواعد اللعبة في المنطقة تتغير، وانفاق حزب الله حزب من هذه التحولات الاستراتيجية، لكنها ليست الوحيدة، ربما هناك ما خفي عن انظار الإسرائيليين، والراي العام العربي والعالمي، وحتى أجهزة الاستخبارات، لكن إسرائيل أيضا هي الأخرى تمتلك ما يمكنها من ابتكار أساليب جديدة قد تجعل من التحولات الجديدة من الماضي، فهي التي تتربع على عرش الصناعات العسكرية الدقيقة والأجهزة التجسسية التي يقل نظيرها في العالم.

الابعد من اكتشاف انفاق حزب الله، هو اكتشاف ما ستؤول اليه أحوال المنطقة في السنوات المقبلة، وهي سنوات ستشهد الكثير من التوتر والقليل من التهدئة، انها حالة اللاحرب ولا سلام.

ذات صلة

الإعلام المعادي وتهاون المؤمنينإعادة بناء قبور البقيع.. إشاعة لروح التعايش بين المسلمينمعالم منهجية التوجيه الثقافي في فكر الإمام الشيرازيتداعيات الرد الإيراني على إسرائيلهدم البقيع جريمة لا تنسى